الكويت وإخراج العراق من البند السابع
و ابتداءاٌ اود ان اؤكد بانني لا اريد الخوض في الجوانب الجارحة من العلاقات فهذا امر حسمه التاريخ القريب وان على البلدين ان يجدا افضل السبل للعيش بسلام واحترام متبادل. و لكنني اؤكد اعتقادي الجازم بان العراق بما لديه من ثروات بشرية و طبيعية و ارث حضاري تضعه في مصاف ارقى البلدان لو توفرت له القيادة الصحيحة, ليس بحاجة لآي اراض او ثروات عائدة لغيره و انه يستطيع ان يغني المنطقة بأكملها بمساهماته الحضارية والمادية كما فعل طوال التاريخ.و ان ما قام به حاكمه المخلوع امر مدان ومرفوض وقد عبر الشعب العراقي عن رأيه فيه في الانتفاضة الشعبانية في عام 1991 حين اسقط حكم صدام في جميع محافظات العراق ما عدا المحافظات” البيضاء” و معروف ما حصل بعد ذلك. و لكن يجب ان يقال من الجانب الاخر ان الاخوة الكويتيين قد ابدوا طوال السنوات الخمسين الماضية اصرارا غريبا على مواقف الاستعلاء و الغرور بما لا ينسجم مع مقوماتهم البشرية والجغرافية فأعطوا المبرر بتصرفاتهم الاستفزازية لردود الفعل العدائية من جانب من يضمر لهم الشر من الحكام
يروي كيسنجر في مذكراته اجتماعا في كانون الأول عام 1968بين الرئيس المنتخب آنذاك( نيكسون) وأمير الكويت الزائر:
” لقد افترضت إن النزاع العربي الإسرائيلي سيكون في مقدمة اهتمامات الأمير وأعددت مذكرة وافية عن الموضوع. ولكن لسوء الحظ فقد كان الأمير يريد قبل كل شيء إن يعرف ما هي الخطط التي وضعتها
الإدارة الجديدة للخليج الفارسي بعد ان تنسحب المملكة المتحدة من المنطقة كما أعلنت أنها سو ف تعمل في
عام 1971 وما هي نوايا أميركا فيما لو قام العراق مثلا بمهاجمة الكويت؟” (ص 18)
وكان هذا سؤالا غريبا على اقل ما يقال يصدر عن امير الكويت. ففي ذلك الوقت كان حز ب البعث قد استولى لتوه على السلطة في العراق ولا يوجد في ماضي ذلك الحزب ما يدل على انه يضمر نوايا عدوانية او توسعية تجاه الكويت. بل بالعكس فقد كان اول إجراء اتخذه انقلابيو 8 شباط 1963 هو ما جاء على لسان وزير خارجيتهم وعضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك طالب حسين الشبيب هو الغاء القانون رقم 80 لسنة 1961 الذي استرجع 99.5% من الاراضي العراقية من شركات النفط والاعتراف باستقلال وسيادة الكويت. و قد حصلوا مقابل ذلك على مكافأة قدرها ثلاثون مليون دينار كويتي مقابل الاعتراف و مجيئهم الى السلطة مقابل الالغاء.
وفي هذا الصدد لا يسع المراقبين الا الاشارة الى ان الرئيس الاميركي المشار اليه اعلاه، ريتشارد نيكسون، قد اعلن ما سمي بمبدأ نيكسون في مؤ تمر صحفي في غوام في 25 تموز عام 1969( أي بعد سبعة اشهر من اجتماعه مع امير الكويت). و من بين ما جاء في المبدأ المذكور:
“سو ف نوفر غطاء اذا ما قامت قوة نووية بتهديد حرية دولة متحالفة معنا او حرية دولة نعتبر بقاءها حيويا لامننا” وقد طبقت ادارة نيكسو ن هذا المبدأ ايضا في منطقة الخليج باعطاء معونات عسكرية الى ايران والسعودية كي يستطيع هذان البلدان تحمل مسؤولية ضمان سلام واستقرار المنطقة.
و استنادا الى مايكل كلير مؤلف كتاب (الدم و النفط: اخطار وتداعيات التبعية البترولية المتنامية لاميركا ) فان تطبيقات مبدأ نيكسون ” قد فتحت بوابات الطوفان” من المساعدات العسكرية الاميركية للحلفاء في الخليج الفارسي
وساعدت في توفير المسر ح اللازم لمبدأ كارتر والتورط العسكري المباشر لاحقا للولايات المتحدة في حرب الخليج وفي الحرب على العراق.
واذا انتقلنا الى مرحلة لاحقة في تاريخ المنطقة وبالذات الحرب العراقية الايرانية التي لعبت الكويت دورا متميزا في اشعالها وتأجيجها خوفا من اجتياحها من قبل ” الثورة الاسلامية الايرانية “. ونشير في هذا الصدد الى حادثة محددة رواها دانيال يرجين، مؤلف كتاب ( الجائزة: السعي الملحمي من اجل النفط والمال والسلطة) الحائز على جائزة بيولتزر للصحافة والآداب وهي أعلى جائزة في الولايا ت المتحدة. حيث قال المؤلف:
“اخترقت الحر ب في عامها السابع 1987 الحواجز التي حددتها في النطاق الضيق للدولتين المتحاربتين
واتخذت لاول مرة صفة التدويل كي تشرك الدول العربية في الخليج و الدولتين العظميين على حد سواء…
“وقد هدفت ايران على الكويت التي كانت تساعد العراق .و لم تقتصر قوات خميني على توجيه الضربات الى البواخر الذاهبة الى الكويت والعائدة منه, بل شنت ايضا ما لا يقل عن خمس هجمات على الكويت نفسها”.
ومن ثم يستطرد الكاتب ليصف كيف أن الكويت قد طلبت “الحماية من الروس و حين بلغت تلك المعلومات الى ارفع المستويات في ادارة ريغان لم يتأخر الطلب الكويتي حسب تعبير احد المسؤولين. فقد كانت الاهمية الكامنة لمفاتحة موسكو قد وفر ت السبب لحصول رد فعل سريع. ذلك لان مشاركة الروس كان يمكن ان توسع النفوذ الروسي في الخليج- وهو امر كان الاميركيون يسعون للحيلولة دون وقوعه لاكثر من اربعة عقود، وحاول البريطانيون منعه لما لا يقل عن 150 عاما”. وعلى اثر ذلك ابلغت ادارة ريغان ” الكويتيين بان الولايا ت المتحدة سوف تتولى الامر بكامله فيما يتعلق بر فع الاعلام على السفن او ألا يحصلوا على أي شيء على الاطلاق”.
وبالتأكيد فان دعوة الاميركيين او الروس او حلف الاطلسي او غيرهم لتوفير الحماية للكويت و نفطها لها ثمنها الذي يجب ان يدفع وهذا ما طالب به دكتاتور العراق السابق وهو ما وعد الكويتيون يقينا بتحقيقه مما ولد لديه القناعة بان ما يسمونه “ديونا” كان الثمن لذلك.
ومهما كان الامر فان تلك ” الديون” وما هو على شاكلتها تندرج تحت تو صيف “الديو ن البغيضة”و هو مبدأ معترف به بموجب القانون الدولي وان الشعب العراقي غير ملزم بتسيدها. وقد كان احد اقسى انواع الاجحاف التي مورست ضد الشعب العراقي ان يتبرع المحتلون باضفاء صفة السيادية على تلك الديون و ذلك بموجب القرار المرقم 1483 في 23 ايار 2003 الصادر عن مجلس الامن الدولي. و كان الغرض من ذلك هو استعمال هذه الادوات كضواغط بيد المحتل و سيف مسلط على الحكومة الجديدة في حال عصيانها لاوامر المحتلين.
و لم تبالغ الكويت في استعمال هذا السلاح وحسب بل انها تدخلت بشكل فظ في الشؤون الداخلية العراقية وهناك عشرات من الامثلة لاثبات ذلك.ان مصلحة الاستقرار في المنطقة الذي هو امر حيوي لو جود الكويت اضافة الى العلاقات التاريخية بين البلدين تستدعي الكويتيين ان يفكروا مليا بموقفهم الاستفزازي والعدائي.
ثانيا-عندما تشكلت اللجنة التحقيقية المستقلة في برنامج النفط من اجل الغذاء التابع للامم المتحدة برئاسة بول فولكر الرئيس الاسبق لمجلس الاحتياط الاتحادي في الولايات المتحدة اكتشفت بان مبلغا يزيد على خمسة مليارات دولار قد اجيز بغير وجه حق الى لجنة تعويضات الكويت. وعلى الفور ردت لجنة التعويضات، بتحريض مباشر من الكويت، بان التعو يضات الكويتية تستحق فوائد بسيطة ومضاعفة ومركبة وانها تبعا لذلك يجب ان تصل لما يقرب من خمسمائة و ستين مليار دولار. وكان هذا في حينها يعادل قيمة ثلث الاحتياطي الثابت للعراق من النفط. وبالتأكيد لا توجد سابقة في التاريخ ان يتعرض بلد من بين اول من وضع لمسات الحضارة للبشرية الى الفناء بسبب نزوة حاكم مستبد تجاه جار صغير له. والانكى من ذلك ان الكويت لم تبد عشر هذا الحرص على مئات المليارات من الدولارات التي خسرتها جراء انهيار النظام المالي العالمي.
كلمة اخيرة ان هذا التصلب الكويتي يجب ان لاينظر اليه بمعزل عن الضغوط الاخرى التي يتعرض اليها العراق بما في ذلك التفاوض علنا مع ازلام النظام السابق لاعادتهم الى الحكم. وسيكون هذا موضو ع نقاشنا في حلقة قادمة.
ضياء المرعب
Posted: August 6th, 2009 under Politics, Analysis.
Comments: 1
Comments
Comment from ISMAEEL
Time: 2009-08-10, 10.03 am
العراق – الكويت والباب السابع
منذ اعلان استقلال الكويت ورفع العلم والاعتراف الدولي بها كدولة
مستقلة في عام 1961 اصبحت الكويت جزءا من المجتمع العربي والدولي كدولة ذات كيان مستقل ، وحيث انها جزء من منطقة الخليج فهي غنية بالنفط ، ومن هنا تنبع اهميتها الاستراتيجية باعتبارها جزءا من الحوض البترولي في المنطقة .
كان الكويتيون كالعديد من اهل الخليج يقصدون العراق ، مدينة البصرة بشكل خاص ابتغاء التجارة وقضاء الوقت والتسوق والعودة مع بعض ماء
شط العرب ان امكن . الكثير منهم ربطتهم رباط القربى باهل العراق والبصرة بشكل اخص . ومن هنا نشأت الكثير من العلاقات الاسرية بين الشعبين . وحيث ان الكويت كانت تابعة اداريا الى محافظة البصرة ، اثناء الحكم العثماني فان الكثير من العراقيين ينظرون اليها كجزء مكمل للاراضي العراقية . وهذا يفسر نظرة الغضب لدى العديد من العراقيين عند اعلان البريطانيين الانسحاب منها والاعتراف بها كدولة مستقلة .
اول اصطدام سياسي بين العراق والكويت حدث مباشرة بعد اعلان استقلالها عندما امر عبد الكريم قاسم الجيش العراقي باحتلالها، وهو الامر الذي لم يحدث بسبب تقاعس القائد العسكري الذي وجهت اليه الاوامر ،
وحيث ان عبد الكريم قاسم قدلم يكن مؤمنا بالحل العسكري للعلاقة مع الكويت من ناحية ، ووقوف الانكليز ضد ضم الكويت الى العراق ، اضافة
الى عدم تأييد الاتجاه القومي العربي المتمثل آنذاك بالحركة الناصرية ، كما لاننسى ان العديد من القوى السياسية العراقية لم تكن تؤيد موقف عبد الكريم قاسم .
حدث بعد ذلك صلحا مؤقتا في عام 1963 حيث قدم الكويتيون مبلغ 35 مليون دولار لحكام العراق البعثيين ، اعتبرت في وقتها رشوة للسكوت عن اي تحرك ضد الكويت .
كل هذه المواقف خلقت لدى الكويتيين حكومة وشعبا نظرة عداء وكراهية للعراقيين .
غير ان ارتباط المصالح من جديد ، وخصوصا الموقف من الثورة الايرانية ، ادت بالكويتيين وغيرهم الى المراهنة بعشرات لا بل بمئآت مليارات الدولارات على الحصان البعثي لتخليصهم من المد الثوري الجديد
وزادت على ذلك بان فتحت اراضيها ومجالها الجوي كتسهيلات للجانب العراقي . ثم عادت ودبت الخلافات مجددا على القروض الحسنة وغير الحسنة وانتهت باعطاء الامريكان الضوء الاخضر لصدام حسين بالتدخل واحتلال الكويت عسكريا . قد لا تكون الخسائر بالارواح كبيرة , ولكن حدث شرخا كبيرا لدى الجانب الكويتي .
وعندم لم يلبي صدام الالتزام بقواعد اللعبة واراد ان يسير الى النهاية , تحالفت كل اقوى العالمية لتوجيه ضربات موجعة لقواته العسكرية وللبنى التحتية العراقية , وبالتالي اخراج العراق كلاعب رئيسي في المنطقة .
ان ضعف الحكم العراقي على كافة المستويات هو العامل الرئيسي لجعل الكويت تستمر في مطالبة المجتمع الدولي باستمرار فرض العقوبات على العراق ووضعه تحت سيف الباب السابع .
هذا المنطق الخالي من الذكاء وبعد النظر السياسي لدى الجانب الكويتي , وعلى الرغم من الوفود العراقية العديدة التي زارت الكويت لتاكيد الاعتراف بهم كدولة ذات سيادة , تربطنا بهم العديد من الروابط , وبان ما حدث قد انتهى بسقوط النظام الصدامي , فان الجانب الكويتي لم يستجب لهذه الدعوات , مما يرسخ ويجذر الخلافات القديمة ولا يفتح المجال لقيام
علاقات حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل بين البلدين .
الموقف الطبيعي والذي كان متوقعا من الجانب الكويتي تحديدا , ولاعتبارات عديدة ان تقابل الدعوات العراقية باسقاط جميع مطالباتها من الجانب العراقي , لا بل ان تدخل كشريك رئيسي في اعادة اعمار العراق .
ان هذا اقل ما يطلبه الشعب العراقي من حكومة وشعب الكويت .
Write a comment